تناظر قيمة الإحسان في الثقافة الإسلامية قيم الجودة والكفاءة والفاعلية في علم الإدارة الحديث، وهذه القيم يعتبرها الخبراء من خصائص الحكم الرشيد في الأنظمة الحديثة.
ومفهوم الإحسان في الإسلام مفهوم شامل كما أكد ذلك الحديث النبوي' إن الله أمر بالإحسان في كل شيء'. ويذهب البعض إلى تسمية الدولة الإسلامية الراشدة بدولة الإحسان نظراً لما يشمله مفهوم الإحسان من معاني مهمة تتجاوز الجودة والإتقان والكفاءة والفاعلية إلى الحرص على التلطف في ممارسة السلطة والمعاملة الطيبة والحسنة مع استشعار عميق للرقابة الإلهية، فالإحسان في الحكم عبادة تستلزم تأديتها استشعار رؤية الله أو على الأقل استشعار رؤية الله لنا. وترتيب قيمة الإحسان بعد العدل في النص القرآني لا يخلو من فائدة' إن الله يأمر بالعدل و الإحسان' لأن الإحسان مرتبة فوق العدل، فقد يكون من العدل تنفيذ الحكم حسب القوانين النافذة ولكن الإحسان مرتبة أكبر تفرض جودة التنفيذ والبحث عن أحسن الطرق المناسبة وبهذا تتحقق الكفاءة والفاعلية والتوظيف الرشيد للقدرات والإمكانيات في سبيل تحقيق الأهداف. وفي علم الإدارة ينصرف مفهوم الفاعلية إلى فعل الأشياء الصحيحة وينصرف مفهوم الكفاءة إلى فعل الأشياء الصحيحة بأحسن الطرق وهذا هو الإحسان في التصور الإسلامي، ولكن الإحسان في التصور الإسلامي يتفوق على هذه المفاهيم الإدارية لكونه لا يعتمد فقط على الرقابة البشرية ولكن يرتبط بدوافع عميقة، فالمسلم الحق يحرص على تطبيق الإحسان في عملة ليتعبد الله بذلك وهو يستشعر الرقابة الإلهية.
وبدون قيمة الإحسان لا يمكن أن تنهض أي حضارة فالحضارات تستلزم إحسان التعلم وإحسان التخطيط وإحسان التطبيق وإحسان المحاسبة والمتابعة.
وقيمة الإحسان في الحكم الإسلامي الرشيد بحاجة ماسة في عصرنا الراهن إلى ترجمتها في آليات ومحددات تستلزم استنفار الجهد والطاقة وفقاً لهذه المحددات فضلاً عن أهمية تحولها إلى قيمة أخلاقية وخاصة شخصية من خصائص الحاكم الصالح وكل من يتولى مسؤولية الشأن العام.