إذا كانت قيمة الشورى هي أصل شرعية الحكم الرشيد، فإن العدل أصل شرعية ممارسة السلطة، وهو أساس الحكم ولا نعني بالعدل هنا المفهوم التقليدي الذي يحصر العدل على عدل القضاء عند التقاضي ولكن العدل في الحكم الرشيد في مفهومه الشامل يشمل حسب تعريف ابن القيم الجوزية كل سياسة عادلة تعمل على تحقيق مصالح الناس ولا تتأثر بالأهواء سواء نص عليها الشرع أو لم ينص' فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا' وكل سياسة عادلة من الشرع بالضرورة وحيثما كانت المصلحة العادلة فثم شرع الله، وكل السياسات العادلة التي توصلت إليها البشرية بعد تجاربها المريرة من الطغيان هي سياسات شرعية طالما أنها لا تخالف مقاصد الشريعة وغاياتها السامية.
ومن العدل احتكام الجميع إلى قانون واحد يسري على الصغير والكبير والقوي والضعيف كما جسد ذلك الخلفاء الراشدون وكلنا نتذكر أول خطاب سياسي للخليفة الراشد أبو بكر الصديق وهو يدشن ولايته ومما جاء فيه ' الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه'.
والسياسة العادلة في الإسلام لا تخص المسلمين فقط فهي تشمل المسلم وغير المسلم، وفي الحديث'ألا من ظلم معاهداً أو تنقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة' بل إنها تشمل الأعداء والخصوم عند التقاضي أو إجراء الحقوق أو في مقام الشهادة 'ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى'.
والعدل في الحكم الرشيد لا يعطي الحاكم حق تجريم كل من يقدم له النصح، ويطالب بإصلاح الأوضاع، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يعطيه حق التنكيل بمن يختلف معه والتشنيع عليه وحرمانه من كافة حقوقه الطبيعية واستباحة دمه أو سجنه مدى الحياة بتهم ملفقة، بل إن العدل في الحكم الرشيد لا يعطي للحاكم فرصة ممارسة مثل هذه الانتهاكات حتى لو أراد ذلك، لأن صلاحياته مقيدة بالعقد الدستوري' الميثاق' وطاعته الشرعية مقيدة بعدم الأمر بمعصية، ولا شك أن الظلم من أكبر المعاصي التي يعصى بها الله في عالم السياسة والحكم.
ويتضح من خلال تأمل قيم العدل في الحكم الإسلامي الرشيد أن هذه قيمة تشمل قيمة العدل والإنصاف وحكم القانون والفرص المتكافئة وتتشابك مع غيرها من القيم.