تحدثنا في مقال الأمس عن الابتلاء بالخير والشر بين الشكر والجحود، ونؤكد اليوم أن زيادة وعي المؤمن بكونه يعيش حياة ابتلاء في دار ابتلاء يتناسب طردياً مع إحسانه لعمله والتحرر من حالة الغفلة واتصافه باليقظة الدائمة كما يرتبط الوعي بالابتلاء بالسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ومن يؤمن أن الدنيا دار اختبار وابتلاء لن يدخر جهداً من طاقته دون توظيفه في خدمة دينه وأمته ودون أن يبلي في دار الابتلاء بلاءً حسناً سواءً في التعامل مع الخير أو في مواجهة الشر، لأنه ينتظر حصاد هذا البلاء الحسن أضعافاً مضاعفة' للذين أحسنوا الحسنى وزيادة'.
وهنا تصورات خاطئة لمفهوم الابتلاء يجعل البعض ينظر إليه نظرة سلبية ومن هذه التصورات: الاعتقاد أن الابتلاء يقتصر على مواجهة المحن والعدوان والشرور حتى أن البعض إذا سمع كلمة الابتلاء تتبادر إلى ذهنه هذه المعاني فقط ويتجاهل أن الابتلاء كلمة شاملة ترتبط بطبيعة الحياة نفسها ويكون بالخير والشر والنصر والهزيمة وكل ظروف الحياة فقد خلق الله الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا' الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا '.
ومن التصورات الخاطئة للابتلاء: الاعتقاد أن بعض الدعاة وخصوصاً الذين يواجهون بعض المحن والصعوبات يتعللون بالابتلاء لتبرير الفشل في مواجهة الأزمات والضغوطات، مع إعفاء النفس من تبعات مراجعة بعض الأخطاء وتصحيح المسارات، والحقيقية أن هذا التصور قد يكون أحياناً مجرد تعبير عن حالة من الانهزام النفسي والضيق بطول فترة المحن والصعوبات، وقد يكون أحيانا ردة فعل طبيعية لمبالغة البعض في تبرير كل انتكاسة بالابتلاء دون التفكير بالبدائل التي كان يمكن من خلالها تلافي الوقوع في بعض المشكلات أو التخفيف منها، وعندما يترافق هذا النقد مع توضيح عملي للخيارات البديلة يكون نقداً إيجابياً يجب الاستفادة منه.
وما نود تأكيده هنا أن الابتلاء بالشر أو الفقر أو نحو ذلك لا تفرض عليك الاستسلام لهذا النوع من الابتلاء بل تفرض عليك الصبر في المواجهة مع العمل على رفع هذا الشر بكل طاقاتك وقدراتك وظروفك وإمكانياتك دون الاستسلام والخضوع للطغيان الذي يحاول تركيع بعض الصالحين بوسائل شتى منها تضييق سبل العيش أمامهم ليضطرهم إلى مهادنته أو السير في ركابه..
ونؤكد في الأخير على محورية مفهوم الابتلاء في عقيدتنا الإسلامية ولا يصح تشويه هذا المفهوم نتيجة أي فهم قاصر أو أي تنزيل بشري قد يشوبه الخطأ والخطأ طبيعة بشرية ولا يؤاخذنا الله فيما أخطأنا به بعد بذل قصارى جهودنا وطاقاتنا والله من وراء القصد.