لا تقتصر رسالة الحج على تجسيد وحدة الأمة الإسلامية الروحية والثقافية والحضارية، ولا تقتصر على التربية على القيم الإنسانية كالمساواة والأخوة وغيرها، ولا تقتصر على التهذيب الأخلاقي، ولا تقتصر على البعد السياسي لتوافد المسلمين من جميع أقطار الأرض، ولا تقتصر على تعظيم شعائر الله، ولا تقتصر على تأكيد العمق التاريخي الابراهيمي لدعوة التوحيد، ولكنها تشمل كل ذلك وتظل الغاية الأساسية هي الفوز برضوان الله وتحقيق التقوى ' وتزودوا فإن خير الزاد التقوى'. وتنمية روح التقوى هدف أساسي تتمحور حوله جميع العبادات، وعندما تكون التقوى هي الهدف والغاية تختفي طقوس الرياء والمباهاة بالحج المشهورة في بعض العادات الشعبية التي يتحول فيها الفوز بلقب 'الحاج ' هدفاً بحد ذاته بغض النظر عن مدى تحقيق الحج لأهدافه في حياة الإنسان، وكل إنسان ينال من الحج حسب نيته وحسب طموحه وإجتهاده. ولأن الحج فريضة العمر فالواجب أن تتحول هذه الرحلة إلى لحظة فارقة في حياة الإنسان يستعيد من خلالها هويته الحقيقية الضاربة في أعماق التاريخ والضامنة للمستقبل الحقيقي في الحياة الخالدة، إنها رحلة إلى الله وإعلان للبراءة من كل الأوثان التي تعبد من دون الله، وتأكيد على أن الشكر للنعمة والحمد لله وحده رب السموات والأرض. إنها تأكيد على التحرر من جميع أنواع العبودية التي تحول بين الإنسان و معبوده وخالقه ورازقه رب السموات والأرض وما بينهما. وبدون استشعار التحرر من جميع شوائب الشرك الظاهرة والخفية واستشعار معاني التوحيد والإخلاص واستشعار الغاية من الوجود واستشعار أمانة التكليف، بدون كل ذلك فإن رحلة الحقيقة ستتحول إلى مجرد طقس فلوكلوري بارد لا تترك أثرها في حياة الإنسان ولا يمكن أن تتحول إلى لحظة فارقة.