التقوى ذروة الحضور الذهني والوعي العميق بالغاية من الموجود والعمل من أجل المستقبل الحقيقي للإنسان في الحياة الخالدة التي لا ينغصها الخوف من الفناء، فالتقوى في هذا السياق الرباني هو الوجه المقابل للغفلة والشرود من الطريق والانغماس في ملذات الحاضر وتجاهل الدار الآخرة، ومهما وصل الإنسان إلى غاية الملذات وحاز على كل كنوز الأرض واستأثر بالسلطة وظن أنه قادر على الأرض سيأتيه أمر الله يوما وسينقشع عنه غبار الغفلة بعد فوات الأوان بعد أن يكشف عنه الغطاء وتزول عنه الغشاوة فبصره يومئذ حديد' إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم' ومن هنا تأتي أهمية التقوى لتذكرنا بسؤال المستقبل '' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ' الموت حق ويوم الحساب قادم لا ريب فيه ولا مجال فيه للالتفاف على الحساب والعقاب، فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فلها ولا يظلم في ذلك اليوم أحدٌ، ولا يمكن أن يكون مصير من أحسن العمل ووضع سؤال المستقبل بين عينيه وسار على صراطٍ مستقيم كمن سار مكبّاً على وجهه ' أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ'.