من الجميل أن ننشد الكمال ولكن ينبغي الإقرار بأن الخطأ والغفلة والنسيان خصائص بشرية علينا أن نتقبلها، ونجاهد أنفسنا على محاولة تجنبها قدر الإمكان وقد بدأت قصة صراع الإنسان مع الغفلة والخطأ وتجاهل الأهداف الاستراتيجية في بداية الخليقة في قصة آدم عليه السلام والشجرة 'وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا' والوقوع في الغفلة يعني الانقطاع عن الوعي القائم على المدركات العقلية والوجدانية والتأمل البصري والسمعي، والانسياق وراء بريق الإغراء اللحظي، وفي هذا الانقطاع عن مدركات الوعي تعطيل للنعم والطاقات التي أنعم الله بها على الإنسان وميزه بها عن الحيوان. وعندما يعطِّل الإنسان هذه الحواس ولا يستخدمها في اليقظة الدائمة التي تقوده إلى طريق الهداية يكون كالأنعام بل أضل، لأن الأنعام مفطورة على السير وراء غرائزها وتفتقر إلى الوعي والعقل': 'وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون' ومن أهم وسائل مقاومة الغفلة استشعار النهايات والمآلات لتصحيح البدايات قبل فوات الأوان، قبل أن يصل الإنسان إلى اللحظة الحاسمة التي لا يفيد فيها الندم'أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ' ومما يساعد على هذا الاستشعار زيارة القبور وجاء في الحديث النبوي' كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ، فإنها ترق القلب ، و تدمع العين ، و تذكر الآخرة'. ومن وسائل مقاومة الغفلة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم المحافظة على الورد القرآني ولو عشر آيات كل ليلة كما جاء في الحديث الذي صححه الألباني'عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مَن قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيلَةٍ لَم يُكتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ' ومن الوسائل النبوية في مقاومة الغفلة ملازمة الذكر والاستعاذة بالله من الغفلة وجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو' اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرَم، والقسوة والغفلة، والذلَّة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر، والشرك والنفاق، والسمعة والرياء' نسأل الله أن يقينا وإياكم شر الغفلة وأن يعيننا على اليقظة الدائمة والعمل الصالح.