وأخيراً أعلنت منظمة الصحة الدولية اعتبار الإدمان على الألعاب الإلكترونية مرضا نفسياً وعقلياً ( [1]) في الإعلان الجديد الحادي عشر الصادر في هذا العام 2018 م وقد سبق لبعض دول العالم المتقدم ومنها بريطانيا الاعتراف بهذا المرض كمهدد للصحة العامة وظهرت العديد من عيادات علاج هذا النوع من الإدمان، ويعد هذا الإعلان عن مرض الإدمان الالكتروني بمثابة إعلان عن فشل الجهود التربوية في ترشيد الاستخدام الإنساني لهذه الألعاب ليتم الاستفادة من فوائدها وتجنب أضرارها ويبدو أن الطب النفسي سيسحب البساط من تحت أقدام التربويين ويضيف هذا المرض إلى قائمة اهتماماته فحسب الاحصائيات والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية هناك 175 الف حالة مرضية نتيجة الادمان علي الالعاب الالكترونية في العالم كما ان هناك 285 الف طفل قد اصيبوا بمشاكل في النظر نتيجة العاب الفيديو عبر شاشات الكمبيوتر . بالإضافة إلى وجود 112 ألف طفل قد اصيبوا بالمسدسات البلاستيكية وهي كرات شديدة القوي وتكون مؤذية خاصة إذا كانت الاصابات في العيون والرأس بشكل عام، وتشير الاحصائيات أن عدد الاطفال الذين توفوا نتيجة ابتلاع قطع من هذه الالعاب 55 ألف طفل و أفادت دراسة أجرتها إحدى المؤسسات الصينية على عينة من المدمنين أن نحو 70% منهم يعانون من أعراض تتطابق مع أعراض الإصابة بالتلف الدماغي، خاصة فيما يتعلق بالسلوك وأظهرت تقارير صينية أن نحو مائة مليون مواطن -من أصل أكثر من ستمائة مليون مستخدم للإنترنت في الصين- تبدو عليهم أعراض الإدمان على الألعاب الإلكترونية( [2]).
وحسب التوصيفات العلمية لمرض الإدمان على الألعاب الالكترونية فإن تعريفه يتلخص في كونه سلوك 'يتميز بنمط سلوك اللعب المستمر أو المتكرر الناجم عن ضعف التحكم وزيادة الأولوية الممنوحة للألعاب إلى درجة أنها تأخذ الأسبقية على الأنشطة والالتزامات اليومية الأخرى، واستمرار الألعاب أو تصعيدها على الرغم من العواقب السلبية'
ورغم خروج الإدمان على الألعاب الإلكترونية من الميدان التربوي إلى الميدان الطبي فإن الوقاية التربوية دائماً أفضل من العلاج وهذا الاعتراف العالمي بالمرض يفرض على الأسرة والمدرسة مضاعفة جهودها لحماية الأبناء والطلبة من الوقوع في فخ هذا المرض فالوقاية دائماً أفضل من العلاج ويمكن الاستفادة في هذا السياق من تجارب بعض الدول ففي كوريا تم اعداد مدارس خاصة للمراهقين للحد من الجلوس امام الانترنت للألعاب الالكترونية , من خلال توفير بدائل من تنظيم الجري و ركوب الخيل وغير ذلك من الانشطة الرياضية حيث يقلل ذلك من الاعتماد المفرط علي الالعاب الإلكترونية وفي فرنسا يقوم العديد من الفرنسيين بتحويل هواتفهم الذكية الي هواتف قديمة للاتصال والرسائل القصيرة فقط . وتقدم بعض مواقع الطب النفسي نصائح للأسر للتعامل مع هذه الظاهرة المقلقة ويرى أغلب الخبراء أن الحديث عن المنع المطلق من الألعاب الإلكترونية غير منطقي وغير قابل للتطبيق والأفضل الدخول في حوار مع الأبناء وشرح المخاطر المترتبة على الإدمان على صحتهم النفسية والعقلية واستعراض بعض الدراسات والاحصائيات العلمية والاتفاق على التخفيف قدر الإمكان من أوقات استخدام هذه الألعاب وتحديد أوقات السماح بحيث لا تتجاوز الساعة في اليوم في أقصى تقدير مع الإشراف العائلي على نوعية الألعاب ومدى ملائمتها لأعمار الأبناء وخلوها من المخاطر العارضة وعدم السماح بشراء الالعاب التي تحمل طابع العنف وتتسبب في بناء شخصية سلبية ويجب تعليم الابناء ان الانترنت والجلوس أمام الكمبيوتر لا يتلخص في الالعاب فقط ولكن هناك اشياء عديدة مفيدة يمكن ان يقوم بها الشخص من خلال الكمبيوتر كالرسم والقراءة او تعلم لغة او غيرها من الامور النافعة التي تؤثر بشكل ايجابي في شخصية الطفل مع تشجيع الاولاد علي ممارسة الهوايات ونستحضر هنا الأثر القائل ' علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ' مع تخصيص اوقات للتنزيه والترفيه ولندخل على اهالينا السرور فلابد ان يكون هناك بديل صحي عن الألعاب الالكترونية كما يفضل مكافأة الأطفال عند ممارسة أنشطة صحية والنجاح في تقليل أوقات ممارسة الألعاب .
وأخيراً نود التنبيه إلى ضرورة التفريق بين الاستخدام الطبيعي للألعاب والاستخدام المرضي، وأهمية التسامح مع الاستخدام العادي والتركيز على الاستخدام الإدماني. ويمكن ملاحظة هذا من خلال بعض العلامات التي تؤكد أن الابن وصل إلى مرحلة الإدمان. ويحدد الخبراء بعض هذه العلامات ومنها: تعلّق الطفل بالأجهزة الإلكترونية و غياب الرغبة في اللعب مع الأطفال الآخرين أو اللهو في الخارج، والتوتر المستمر في حال عدم امتلاك الأجهزة الإلكترونية. فهذا الامر يجعله في حالة من القلق والتشنّجات المستمرة وفقدان التركيز على الدرس وعدم قدرته على الكتابة والدراسة بشكل صحيح كما لا يمكنه أن يجلس لمدة طويلة لإتمام واجباته الدراسية وفروضه المدرسية.
نتمنى أن يكون الإعلان الأخير من منظمة الصحة العالمية عن اعتبار الإدمان على الألعاب الالكترونية من أمراض الاضطرابات العقلية بمثابة دق لناقوس الخطر لتنبيه الأسر والمؤسسات التربوية للقيام بدورها في حماية الأجيال من هذا الوباء.