مسؤولية التربية الإيمانية للأسرة عامة والأبناء خاصة من الواجبات التي لا ينبغي أن يغفل عنها الأب المسلم، ولا سيما في عصرنا الراهن الذي تزدحم فيه المغريات ووسائل التواصل في عصر الانفجار المعرفي والمعلوماتي، عصر الإعلام والصورة الرقمية الذي يساهم في تشكيل عقليات ووجدانيات الأبناء في غفلة من الآباء. وما لم يبادر الآباء إلى التربية الإيمانية العميقة والذكية، سيواجهون الكثير من الصعوبات والتعقيدات في مرحلة الكبر. فحريٌ بنا الاستجابة السريعة لنداء ربنا سبحانه ' يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ' وما أعمق هذا النداء الإيماني في استجاشته لعواطف الأبوة والحرص على سلامة الأبناء وتذكير الآباء بأن عاقبة التفريط في التربية الإيمانية وخيمة، وأن جميع جهود الأب في تربية الابن والحرص على سلامته ستذهب هباءً منثوراً ما لم يضع الأب في حسابه تربية الابن على معرفة الطريق إلى الله ومحبته وطاعته.
ومن هنا تأتي أهمية معرفة الله في حياة الأطفال، ولا سيما إذا تم غرس هذه المعرفة بأساليب تربوية بسيطة وذكية تزرع محبة الله في نفسه واستشعار العظمة الإلهية والشعور بالرقابة الإلهية. والمربي الحريص على أبنائه سيجد ألف أسلوب وأسلوب لتربية ابنه على معرفة الله، كما وجد ذلك خال سهل بن عبد الله التستري: قال كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الليل، فأنظر إلى صلاة خالي، فقال لي يوما: يا سهل! ألا تذكر الله الذي خلقك فسواك فعدلك !! فقلت: لخالي وكيف أذكره؟ قال خالي: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات: الله معي، الله ناظري، الله شاهدي فقلت ذلك، فوجدت لها حلاوة ثم قال لي: قل في كل ليلة سبع مرات وداومت على ذلك. يقول سهل فلما كان بعد سنة قال لي خالي: يا سهل احفظ ما علمت ودُم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لذلك حلاوة في سري فقال لي خالي يوما: يا سهل من كان الله معه، وناظر إليه وشاهده أيعصيه؟ إياك والمعصية.
ومن المهم في تربية الأبناء على معرفة الله التركيز على صفات الرحمة والرأفة والمودة فالله رحمن رحيم رؤوف ودود له الأسماء الحسنى، ويستحسن اختيار آيات قرآنية تؤكد على هذه الصفات من مواضع مختلفة من القرآن فمن الأخطاء السائدة في تربية الأبناء على معرفة الله وكتابه الكريم الاعتقاد بأن السور الصغيرة هي الأنسب للصغار وهذا اعتقاد غير صحيح فالسور الصغيرة معظمها سور زجر وإنذار وتقريع للمشركين تحمل رسائل مختصرة فيها تهديد ووعيد لا يتناسب مع عملية التربية القرآنية الإيمانية في مرحلة الطفولة وبالمقابل فإن تحفيظ أية الكرسي في سورة البقرة مثلا أو سورة أهل الكهف وفيها قصة الفتية أو سورة يوسف وفيها قصة الطفل الصغير العصامي بإيمانه أو سورة لقمان وفيها موعظة لقمان لأبنه ونحو ذلك أكثر تناسباً مع المرحلة العمرية للطفل من السور الصغيرة والاختيارات الجيدة والذكية للآيات التي تتناسب مع الأطفال من المواضع المختلفة من القرآن الكريم من أعظم وسائل التربية الإيمانية التي تعرف الطفل بالله فيتعرف على الله من كلامه بدون واسطة فتلامس محبة الله شغاف قلبه و يغمر عقله الإحساس بعظمة الله فينعكس ذلك على حياته بإتباع أوامره واجتناب نواهيه.
والتربية على معرفة الله تنمي المراقبة الذاتية عند الأبناء باستشعار المراقبة الإلهية في السر والعلن. ولهذا الهدف يحتاج الطفل على سبيل المثال إلى قوله تعالى في سورة آل عمران ' إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ' أكثر من حاجته إلى السور الصغيرة التي تتحدث عن أحداث يوم القيامة والأهوال المصاحبة لهذا اليوم مع أهمية الترهيب في وقته المناسب وبقدره الملائم لزرع الخشية والرهبة بجانب الرغبة والمحبة.
ومعرفة الله في الصغر تغرس روح الخشوع لله والعبودية الصادقة له وحده والاستعانة به والاستسلام لأوامره والالتزام بالشعائر والعبادات والاعتزاز بهذا الدين.
وقبل الختام نود التأكيد أن أساس تربية الأبناء على معرفة الله يعتمد على القدوة الحسنة فالأطفال في مرحلة عمرية يتعلمون بالمحاكاة أكثر من التعليم بالتلقين، فإذا كانت سلوكيات المربي تعكس إيمانه العميق بالله سيجد المربي رجع الصدى الإيجابي في سلوكيات الأبناء. نسأل الله أن يوفقنا لوقاية أنفسنا وأهالينا من النار وأن يجعل قلوبنا عامرة بحبه وأن يوفقنا لطاعته.