عرض الله أمانة الحرية في ممارسة العبادة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها واختارت جميع المخلوقات الطاعة الجبرية وحمل الإنسان أمانة الحرية في ممارسة العبادة الاختيارية. فكلما انتصر على نوازع الشر في نفسه ودواعي العبودية الوثنية لغير الله وأخلص عبودية التوحيد لله عز وجل ؛ أثبت جدارته بتحمل مسؤولية الأمانة بالتحرر من جميع مظاهر الشرك وبواعث الأهواء والشهوات و التسامي على جميع أنواع الطواغيت و التحليق في آفاق الحرية الحقيقية التي لا ينال شرفها إلا كل مؤمن عابد موحد ذاق حلاوة العبودية الحرة الاختيارية بين يدي الله عزجل وجل التي يتحقق فيها الذل المفروض من المخلوق للخالق ويتحرر فيها الإنسان من جميع مظاهر الذل المرفوض من المخلوق لغير الله باستثناء خفض جناح الذل من الرحمة للوالدين إحسانا.
ومن أجل القيام بواجبات هذه الأمانة الكبرى حرم الله جميع مظاهر العبودية لغيره وجعل ذلك خيانة لأمانة التكليف، وارتكاساً مهينا لكرامة الإنسان، وهبوطاً من مقام العبودية السامية إلى مقام العبودية الحيوانية للشهوات وعبودية الضعف والخور للطواغيت وجميع مظاهر العبودية المشينة التي تجرد الإنسان من علياء تكريمه الإلهي ووظيفته الاستخلافية في الأرض وتهبط على عبودية الأهواء و وعبودية الطواغيت بالاستسلام للضعف البشري الناتج عن ضعف عقيدة التوحيد و اهتزاز الإيمان الراسخ بأن الله هو القوي وهو النافع وهو الضار وهو الرازق ذو القوة المتين وأن الأمة لو اجتمعت على منفعة أو مضرة الإنسان بشيء لا لن تنفعه أو تضره إلا بما كتب الله ووفقاً لإرادته ومشيئته.
وكلما تجرد الإنسان من هذا الشرف شرف العبودية لله وحده عاجله الله بعقوبة الخزي في الدنيا فتضرب عليه الذلة والمسكنة فيستكين لمن يظنه ولي نعمته من البشر ولو أمره بارتكاب المحرمات ومقارفة الخطايا واستخدمه سوطاً يجلد به ظهور المظلومين ويسلبهم حقوقهم وقد رأينا الكثير من هذا الصنف من العبيد الذين تناسوا أن الله هو الرازق وأن الله إذا امتحن المؤمن في رزقه يعوضه عن النعيم الزائل بالنعيم الحقيقي الدائم بما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
لقد خلق الله الإنسان حراً مختاراً وألهمه طريق الاستقامة على شرف الحرية بتحقيق العبودية الكاملة لله وحده لا شريك له، ففاز بالشرف السامي عبيد الله الأحرار، و اختار البعض طريق العبودية المشينة، وتذبذب البعض بين الحرية والعبودية كلما تحرروا من عبودية الشرك أركسوا فيها وهاموا في أودية الشرك الظاهر والخفي.
وفي جميع الأحوال يظل التحرر من العبودية لغير الله قرار داخلي يختاره الإنسان بمقتضى أمانة حرية الاختيار. ولا يقبل المؤمن الذي تعلق قلبه بالله وتنسم عبق الحرية الخالدة أن يرتكس مرة أخرى إلى أوحال العبودية .نسأل الله العزيمة في الرشد والثبات في الأمر وأن يعيننا على ذكره وشكره في هذه الأيام المباركة ويثبتنا على توحيد العبودية إلى يوم نلقاه .