تتسابق الساعات والأيام ويقترب الموعد فما هي إلا أيام قلائل ويطرق أبوابنا ضيف عزيز على كل أسرة مسلمة يأخذ بأيدنا لنتجول في حدائق الروح و يحلق بنا في آفاق الإيمان المشرقة ونتنسم في أفيائه نفحات القرآن العذبة ، ويرتبط هذا الضيف الحميم بذكريات حبيبة إلى النفس تبدأ من مرحلة الطفولة، إنه رمضان ربيع حياة المسلمين شهر الله المبارك الذي أنزل فيه القرآن.
ونظراً لتأثير نسائم حدائق رمضان على الوجدان والسلوك وتميز هذا الشهر الذي يضع بصماته القوية والمؤثرة في حياة الأسرة فإن للتربية الأسرية أهمية بالغة في إعداد الأبناء للحياة الرمضانية المثالية للخروج من هذا الموسم الرباني بتغيرات منشودة تترك أثرها الحميد في حياة الأبناء مدى الحياة ، وتساعد على الاستمتاع الممتع والنافع في هذا الشهر المبارك.
وجرت العادات في بعض المجتمعات أن تتهيأ الأسر المسلمة للاحتفاء بهذا الضيف بطرقة مختلفة باختلاف الثقافات كشراء الفوانيس الخاص برمضان أو رسم هذه الفوانيس والأهلة في جنبات المنزل أو تزين المنازل والأماكن العامة ببعض مظاهر الزينة أو شراء الألعاب وترديد الأهازيج والأناشيد الإيمانية وبغض النظر عن أهمية هذه المظاهر وما يمكن أن يقال عن شرعية بعضها فإن الأهم أن يتوجه الاهتمام إلى كيفية استثمار بعض هذه العادات الاجتماعية في الاحتفاء بهذا الشهر ولا شك في مشروعية الاحتفاء بهذا الفضل العظيم ' قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا' ومع أن الإفراط في طقوس الاحتفاء السطحية قد يصرف الأنظار عن الأهداف التربوية فإن بعض هذه المظاهر الاحتفائية تعزز الشعور بالبهجة وتغرس محبة أجواء رمضان في نفوس الأطفال وتساعد على تحفيز الأطفال للمشاركة في الأنشطة التربوية الأخرى وعلى الأسرة استثمار هذه المظاهر وتضمينها دروساً تربوية مفيدة كاستثمار الألعاب في تعليم الأطفال قصص القرآن الكريم المصورة وشراء بعض المجسمات الصغيرة التي تحمل دلالات دينية كالمساجد ومنها المسجد الأقصى وغيره من المساجد والرموز الدينية ومن الأنشطة الاحتفائية الجميلة الاحتفاء بالصائم الجديد من الأبناء الذي يصل إلى سن الصيام وتكريم هذا الصائم الجديد بصورة تشوق الصغار لبلوغ سن الصيام ويجب على الأسرة الموازنة بين عدم ترك الأبناء ينهمكون في اللعب واللهو الفارغ وبين السماح ببعض الألعاب المدروسة والحرص على أن يكون السماح بالمشاركة في هذه الألعاب عبارة عن جوائز لقيامهم بانجاز أنشطة تربوية أخرى كحفظ أجزاء من القران الكريم أو السور الصغيرة حسب المراحل العمرية للأبناء. وإذا كان الأبناء في مراحل عمرية متقدمة يمكن النقاش معهم قبل رمضان والاتفاق على مجمل الأنشطة الرمضانية الأسرية وأخذ مقترحاتهم وعرض بعض تجارب الأسر الناجحة ومحاولة الاستفادة منها وترك مساحة للأبناء لبعض الأنشطة الفردية أو الأنشطة التي يفضلون ممارستها مع جماعة الأصدقاء ويمكن متابعة هذه الأنشطة وتوظيفها بالتعاون بين أكثر من أسرة على أن تصب جميع هذه الأنشطة الجماعية والأسرية والفردية في بوتقة واحدة وفي سبيل خدمة أهداف سلوكية تربوية منشودة . ومن الأنشطة الرمضانية التربوية قراءة أدعية الصباح والمساء قبل الإفطار وبعد صلاة الفجر و الأوراد القرآنية ويمكن تحديد ورد قرأني جماعي للأسرة غير الأوراد الفردية وكذلك صيام بعض الأبناء الصغار لساعات معدودة لتدريبهم على الصيام دون إجبارهم على ذلك حتى لا يترتب على الإجبار نتيجة عكسية وصلاة الجماعة في المسجد وصلاة التراويح التي يجب أن يحرص الأب والأم على تأديتها مع الأبناء فيصلي الأبناء الأولاد مع الأب وتصلي الإناث مع الأم في المساجد الخاصة بالنساء.
هذه مجرد إشارات لتحفيز الأسر المسلمة على التفكير الجدي في استثمار أيام هذه الشهر المباركة. وبالنية والعزيمة وتجارب العمل قد تكتشف كل أسرة برنامجها الخاص الذي يتناسب مع واقعها وعلى كل أسرة أن تحرص على كتابة برنامجها الرمضاني الناجح لتحفيز بقية الأسر على أن تحذو حذوها وإذا لم تحدد الأسرة برنامجها الرمضاني لاستغلال رمضان فإنها تترك أبناءها فريسة سهلة للبرامج التي تحددها الفضائيات المختلفة وتستهلك أوقات هذا الشهر الفضيل في اللهو البعيد عن الأهداف التربوية المنشودة والله من وراء القصد.