تتعرض الهوية الإسلامية لمحاولات طمس وتمييع ممنهجة تتخذ أكثر من وسيلة وتبدأ من افتعال الصراع الوهمي بين الهوية الإسلامية والهوية الإنسانية وتنتهي بتضخيم الهويات المصغرة التي هي في الأصل حلقات ضمن هوية الأمة و يجب أن تدور في مدار هوية الأمة الواحدة ابتداءً بالهويات القومية وانتقالاً إلى الهويات الوطنية المحلية ومروراً بهويات مناطقية أو قبلية ضيقة وجميع هذه الهويات تتحول إلى هويات جاهلية تعصبية حين تفتقد بوصلتها الإسلامية القيمية التي تمنحها رشدها الإنساني وجوهرها الحضاري القيمي.
ولا تتوقف محاولات طمس الهوية الإسلامية لأمة التوحيد عند افتعال الصراعات الوهمية بين الهوية الإسلامية والإنسانية أو تضخيم الهويات الصغرى وإخراجها عن مدار الهوية الإسلامية الجامعة فمكر الليل والنهار لا يتوقف عن إنتاج و ابتكار الكثير من الأساليب التي تهدف إلى تمييع معنى الانتماء إلى الأمة وصناعة انتماءات تعويضية بديلة تهدف إلى إضعاف روح الانتماء إلى الأمة و صناعة الشخصية المتذبذبة في ولاءاتها وانتماءاتها ولأن الحاجة إلى الانتماء حاجة فطرية في الإنسان لكون الإنسان مدني بطبعه فإن محاولات طمس الهوية تعمد إلى صناعة هويات وانتماءات وهمية من عالم الترفيه والرياضة فيتحول تشجيع فريق في كرة القدم على سبيل المثال من مجرد تسلية مشروعة إلى انتماء جديد يترتب عليه خصومات و ولاء وبراء واستغراق للاهتمامات في ميادين بعيدة عن ميادين هموم الأمة ومشاكلها وتحدياتها الحضارية المتعددة واستنزاف للطاقات التي يجب تسخيرها في مناصرة قضايا الأمة المصيرية ومواجهة التحديات الخطيرة وفي ظل هذه البيئة الموبؤة يتعرض الانتماء إلى الأمة إلى الهشاشة ونجد أنفسنا أمام شخصية تعيش قلق التذبذب في الانتماء والضياع الهوياتي . وهذه الشخصية المتذبذبة في الولاء تتحول إلى وبال على المجتمع فهي كالريشة في مهب الريح يستخدمها من شاء لتحقيق ما يشاء فقد تتحول إلى العنف والتطرف حين تتلاعب بها أنظمة ومؤسسات مخابراتية تحاول تنمية الفوارق بين الهوية الإسلامية والهويات الإنسانية أو الوطنية وتغذي ثقافة الصراع أو تتحول الشخصية المتذبذبة إلى أداة قمع بأيدي أنظمة قمعية تعمل على تحويل الانتماء من انتماء إلى أمة إلى انتماء إلى شخص الحاكم أو تتحول إلى أقلام ثقافية وإعلامية يستخدمها المستعمر الخارجي في تشويه قيمة الانتماء إلى الأمة وترويج انتماءات تضليلية لتزيف الوعي بالهوية الواحدة . ولو عدنا إلى المنظور الحضاري الإسلامي للهويات والانتماءات الأخرى لوجدنا أننا أمام حلقات متدرجة ومتواصلة في مدارات متوالية لا تلغي أي حلقة منها الحلقة التي تسبقها أو تليها أو تتجاور معها في نفس المدار. وبهذا التناغم والتدرج بين الانتماءات يعصم المسلم نفسه من التذبذب القائم في واقع اليوم والذي تسهر عليه وتعمل من أجله مؤسسات تهدف إلى التشويش على الانتماء الأصيل لهذه الأمة بصناعات انتماءات بديلة تغرد خارج سرب الكيان الحضاري للأمة ومشروعها النهضوي.
وعندما تغيب التربية الأصيلة التي تنبري للدفاع عن الهوية وقيمة الانتماء للأمة تسود نماذج الشخصية المتذبذبة في الأمة التي قد تتألم من هزيمة فريقها المفضل في كرة القدم أكثر من تألمها للهزائم الحضاري التي تتعرض لها الأمة وبسيادة النماذج المتذبذبة في الانتماءات تظهر أجيال جديدة لا تستطيع التعريف بنفسها والتعرف على ذاتها الجمعية والحضارية فينعكس ذلك بصورة سلبية على جميع منظومة القيم التي تفتقد بفعل هذا التذبذب قوتها التأثيرية وفاعليتها الاجتماعية .
وإذا كان الانتماء في علم النفس الاجتماعي حاجة أساسية من حاجات الإنسان لتحقيق التوافق النفسي والاستقرار الاجتماعي فإن الانتماء إلى أمة التوحيد والرسالة يعمل بالإضافة إلى ذلك على إشباع الجوانب الروحية والتوافق مع نظام الكون الذي خلقه الله لعبادته وتسبيحه وإفساد هذا الانتماء إفساد لهذا التوافق الكوني بين شخصية المسلم ورسالته الكونية ينجم عنه التذبذب المرضي في الشخصية المترددة والعاجزة عن اتخاذ القرار أو العاجزة عن اختيار القرار الصائب الذي يخدم مصلحة الأمة ويوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية .
وإذا كانت قوة الشعور بالانتماء إلى الأمة تعزز الشعور بأهمية تنمية مظاهر الخيرية في هذه الأمة والعمل الدءوب على رعاية مصالحها ودعم قضاياها فإن التذبذب في الانتماء يفقد هذا الشعور قوته وتأثيره .
ونظراً لما يترتب على هشاشة الانتماء وتذبذبه من تهديدات وما يفتح من ثغرات تتضاعف مسؤولية الأسرة في التصدي لهذا التذبذب وترسيخ الانتماء الأصيل للأمة فلا يمكن الاعتماد فقط على دور مؤسسات المدرس ولا سيما في ظل هيمنة الأنظمة القمعية على مؤسسات التعليم وعلى مؤسسات التربية الجادة والمستقلة تزويد الأسرة بالوسائل التربوية الفاعلة في ترسيخ الانتماء ومهارات التعامل مع الرسائل التضليلة التي تحاول تزييف الوعي بالهوية بصناعة هويات منافسة .