إن صناعة بيئة جذابة لخيارات العنف والتطرف يتطلب ممارسة الظلم والاضطهاد ضد مجتمع هذه البيئة وتهديد مقدساتها و انتهاك حقوقها وحرياتها وتسليط بعض الطغاة والمستبدين على هذا المجتمع لإعاقة تقدمه الحقيقي و للتنكيل بالأحرار والشرفاء وقتل الآمال في النفوس وترسيخ اليأس بالتغير السلمي و في هذا السياق يندفع بعض أصحاب العواطف البسيطة إلى خيارات انتحارية يائسة فتستقطبهم جماعات عنف متطرفة أو مخابراتية لتوظيفهم في تحقيق مصالحها من حيث لا يشعر أعضاء هذه الجماعات فأغلب المستقطبين من أصحاب النيات الساذجة والتدين العاطفي السطحي.
فالظلم والاستبداد والتفكير البسيط والثقافة الدينية السطحية و إغلاق جميع أبواب التغيير السلمي ومصادرة حق الاحتجاجات السلمية وممارسة التهميش والإقصاء ومحاربة حرية التعبير وغياب الأمن الفكري والشعور بتهديد الهوية و المقدسات كل ذلك يساهم في صناعة احتقانات نفسية وتأزم اجتماعي وشحن عاطفي قابل للتوظيف والاستثمار من أي جماعات منحرفة أو جماعات عنف مخابراتية في استقطاب المراهقين وتحويل العنف إلى خيارات جذابة حين تتساوى الحياة والموت في ظل غياب الحياة الآمنة والكريمة .
والمجتمعات التي تعيش هذا الاحتقانات السياسية والاجتماعية ستظل بيئة خصبة لتصدير التطرف والعنف والانفجاريات الثورية الراديكالية العنيفة ولا يمكن تجفيف هذه الاحتقانات بالحلول الأمنية فقط التي تتعامل مع الأعراض وتتجاهل الأسباب ، بل إن بعض سياسات محاربة التطرف تعمل على تغذية التطرف كمحاربة الدعاة المعتدلين وتضييق الخناق على الحرية وممارسة الانتهاكات في السجون وانتهاك الأعراض والإخفاء القسري وغير ذلك فكل هذه الإجراءات وإن ظهر لأول وهلة أنها تفيد في معالجات مشكلات أمنية وقتية فإنها تعمل على ترسيخ عميق لثقافة العنف والتطرف على المدى المستقبلي.
وإذا عرفنا الأسباب الحقيقية لظاهرة التطرف سنكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح لمواجهته بدلاً من الانشغال بمحاربة أعراض الظاهرة وتجاهل الأسباب بل وتنمية الأسباب.
إن حماية مستقبلنا وأبناءنا من التطرف يستلزم العمل على الجاد تحقيق الانتقال إلى مجتمعات ديمقراطية حقيقية تحترم الحقوق والحريات. مجتمع المواطنة المتساوية والشراكة السياسية والاجتماعية وحرية التعبير وتنظيم ممارسة الاحتجاجات السلمية وكيفية الاستجابة لها وتطوير التعليم العمومي بما يضمن التربية على حقوق الإنسان وتربية التفكير الناقد والتربية على ممارسة حقوق وحريات المواطنة وإشباع غرائز حب الانتماء بفتح حرية تشكيل النقابات و الجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي وإتاحة الحرية والاستقلالية لمؤسسات الإفتاء ليستعيد الشباب ثقتهم بهذه المؤسسات ولتعزيز مصداقية الفتوى حتى لا تظل موصومة بالتبعية للسلطة التنفيذية .
إن فتح جميع أبواب الأمل بالتغيير السلمي يغلق تلقائياً أبواب الخيارات العدمية اليائسة وأما سياسة التوسع في إغلاق أبواب الآمال وصناعة الخيبة والإحباط والاحتقان فإنها تحفر أخاديد عميقة للتطرف والعنف في عمق المجتمع وبراكين قابلة للانفجار في أي وقت فلكل فعل ردة فعل تساويه في القوة وتعاكسه في الاتجاه.
ولأن الكثير من وسائل معالجة ظاهرة العنف تتحكم بها أنظمة الاستبداد ودول الهيمنة ولا تتحكم بها الشعوب فإن واجبنا كأفراد ومواطنين وتيارات شعبية في مواجهة التطرف يتمثل بالضغط من أجل الإصلاح السياسي والتعليمي في سبيل بناء مجتمعات ديمقراطية حرة يغيب فيها التهميش وتحترم فيها كرامة الإنسان وتتوسع فيها الآمال أمام الشباب في المشاركة السياسية والاجتماعية والتنموية في بناء مجتمعاتهم حسب طموحاتهم وثقافتهم وخياراتهم الحرة
ولأن أكثر الفئات العمرية الذين يتعرضون لاستقطابات جماعات العنف والفكر المتطرف من المراهقين فإنا واجبنا كآباء ومربيين في مؤسسة الأسرة والمدرسة في محاربة التطرف يبدأ بمحاربة ثقافة التنمر واحترام شخصيات الأطفال والابتعاد عن جميع الأساليب التسلطية في التربية وترسيخ ثقافة الحوار والعمل على تنمية مهارات التفكير الناقد والتربية على الأمل ومحاربة اليأس
ومن أساليب حماية الأبناء من التطرف تربيتهم على الثقافة الدينية الوسطية وتعريفهم بالقيم الإسلامية الحضارية وأبعاد المؤامرات على الإسلام وكيفية مواجهتها بالأساليب السلمية التي تنفع ولا تضر ولا تشوه سمعة الإسلام والمسلمين.
ومن أساليب حماية الأبناء من التطرف مشاركتهم في اللعب ومراقبة الألعاب الالكترونية التي يفضلونها و مساعدتهم في اختيار جماعة الأصدقاء وتربيتهم تربية إعلامية ناقدة و وقائية للتعامل مع من يحاول استغلالهم عبر وسائط الإعلام الجديد ودفعهم للمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية .
إن جميع هذه الأساليب كفيلة بصناعة جيل واعي يناضل من أجل التغيير ويناهض الظلم والاستبداد والتبعية ولا يقع فريسة سهلة لجماعات العنف الأعمى والتطرف الساذج أو الموجه.