لم يعد الأمر حاجة كمالية أو ترفية بل مسألة حياة أو موت فأطفالنا اليوم في خطر يهدد طفولتهم قاتلُ غامض يتسلل إلى منازلنا في غفلة من مراقبة الوالدين فيختلي بالطفل ويقوده إلى الانتحار خطوة خطوة وخلال شهر واحد تمكن القاتل من قيادة خمسة أطفال في الجزائر إلى حبل المشنقة والأحداث تتوالى وليست هذه هي المرة الأولى التي يتسلل فيها هذا القاتل إلى منازلنا العربية الإسلامية فقد سبق له افتراس طفل في مدينة جدة في السعودية بعد أن تمكن من القضاء على العديد من الأطفال في روسيا وغيرها من دول العالم .
القاتل الذي يقود أطفالنا إلى مشانق الانتحار في مقدوره أن يتسلل إلى أي بيت متجاوزاً كل الأبواب المغلقة والحراسات الأمنية فهو لا يدخل من الباب أو النافذة بل من ثنايا الهاتف الذكي أو جهاز الكمبيوتر أو اللوحات والوسائط الالكترونية و لا يشاهده أحد غير الضحية.
يدرك الجميع ماذا أقصد فلم تعد لعبة الحوت الأزرق وضحاياها من الأطفال المنتحرين خافية على أي متابع، و يا لها من قاتل مرعب يقود أطفالنا إلى الموت دون أن يحرك الآباء ساكناً و في ظل غياب مريب و غريب لدور الأبوين في حماية أطفالهم رغم ظهور اللعبة قبل سنتين تقريباً.
يكشف هذا الغياب المرعب اتساع الفجوة بين الأبناء والآباء فكيف يمكن أن يمضي الأطفال في خطوات اللعبة التي تستمر خمسين يوماً وصولاً إلى مرحلة الانتحار دون ملاحظة الآباء لأي مؤشرات قبلية. حسناً قد يكون للجهل التقني دور فيما يحدث ولكن وبعد وصول الأمر إلى حبال المشنقة وسقوط عدد من الضحايا فقد حان الوقت لندق جرس الخطر فلم يعد هناك أي عذر للآباء في المسارعة إلى التعلم و اقتحام هذا العالم ومعرفة أسراره وكيفيه التحكم فيه.
إن قوة تأثير هذه اللعبة 'الحوت الأزرق' تعتمد حسب بعض الدراسات على غسيل مخ الطفل بتكليفه بتنفيذ عددٍ من المهام التدريجية يستطيع من خلالها مدير اللعبة من التحكم بالمستخدم مثل مشاهدة أفلام مخيفة ، والاستيقاظ في ساعات متأخرة من الليل، وإيذاء الجسد، بالوخز بالإبر ونحو ذلك وبعد أن يتم استنفاذ قوى اللاعب العقلية والجسدية يطلب منه في نهاية مراحل اللعبة الانتحار تحت طائلة التهديد بعد اختراق معلوماته الشخصية.
وظهرت اللعبة في روسيا في 2015 وفتكت حينها بحسب وسائل الأنباء بـ 130 طفلاً فضلا عن ضحايا آخرين في بريطانيا وأوكرانيا ومؤخراً وصلت العالم العربي فتناولت الصحافة منتصف هذا العام أخباراً عن حالة انتحار في السعودية بسبب هذه اللعبة وخلال شهر واحد وصل عدد الأطفال المنتحرين في الجزائر إلى خمسة أطفال.
قد تتخد عدداً من دول العالم اليوم أو غداً عدداً من الاجرءات التقنية لحجب هذه اللعبة أو تلك ولكن الخطر سيظل قائماً وسيظل في مقدور أي مغامر او مجرم اختراع أي لعبة مماثلة وفي كل مرة لن نشعر بالكارثة إلا بعد وقوع الفأس في الراس وأمام هذا لم يعد هناك أي عذر للأسرة والمدرسة في تنفيذ برامج تربوية توعوية وقائية لحماية الأطفال من عالم الانترنت ولم يعد لدينا الخيار في إعداد أنفسنا للتعامل مع الأطفال في عالم الفضاء المفتوح والتعرف على وسائل حماية الأطفال من الانترنت دون مبالغة في الحماية تؤدي إلى أثار سلبية وينصح الخبراء ببعض خطوات الحماية منها تقييد استخدام الطفل للأنترنت من خلال منحه اسم مستخدم خاص على الكمبيوتر بصلاحيات محدودة واعتماد تطبيقات لفلترة المواقع المشبوهة ضمن نظام القائمة السوداء مع عدم الاعتماد الكلي على هذه الفلترة ويؤكد الخبراء أن برامج الفلاتر لا تغني عن مراقبة الوالدين الشخصية للمواقع التي يشاهدها الأبناء ومرافقتهم أثناء المشاهدة ومساعدتهم في اختيار المواقع المناسبة و لابد من تنمية حاسة المراقبة الذاتية بالتربية الإعلامية المعلوماتية الذكية حول مخاطر الإدمان والمخاطر الأمنية والأخلاقية والصحية كالتعرض للاحتيال والاستغلال وغير ذلك كما يجب على الوالدين تنبيه الأطفال والمراهقين بعدم إرسال أو تبادل أية معلومات شخصية مثل الاسم ومكان الإقامة وعنوان المدرسة ورقم الهاتف أو رقم بطاقة الهوية.
وفي جميع الأحوال يجب أن تتكاتف جهود الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني في التوعية الهادفة إلى الحفاظ على حياة أطفالنا وعلى قيمهم وسلامتهم الصحية والنفسية والأخلاقية والله من وراء القصد