إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

كيفية تهيئة الأبناء نفسياً للعام الدراسي الجديد
تحدثنا في مقالة سابقة عن كيفية تصحيح الصورة الذهنية عند الأبناء للعام الدراسي الجديد، وأكدنا فيها أهمية ابتهاج الأسرة والأبناء بقدوم العام الدراسي الجديد، وهذا التصحيح هو الخطوة الأولى لتهيئة الأبناء نفسياً للعام الجديد، فالتهيئة النفسية تبدأ بتصحيح التصور وصناعة أجواء من الفرحة والبهجة بعودة الموسم الدراسي والرجوع إلى المدرسة.
ولكن صناعة هذه الأجواء لا تعني مجرد التظاهر بالفرحة دون محاولة غرس الفرحة بالعام الدراسي الجديد في نفوس الأطفال، أو على الأقل تعزيز النظرة الإيجابية للمدرسة، وتلمّس مشاعر الأبناء الحقيقية تجاه العام الدراسي، مع تشجيعهم على الحديث عن مشاعرهم بصراحة وشفافية؛ حتى لا يضطر بعض الأبناء لمجاملة الوالدين والتظاهر بالسعادة بالعام الدراسي الجديد، وحتى يتعرف الوالدان على المشاكل الحقيقية التي تحتاج إلى معالجات.
لتعزير دافعية الأبناء للتعلم والعودة إلى المدرسة يجب فتح حوار مع الأبناء حول أهمية التعلم في حياتهم، والنقاش مع الأبناء عن طموحاتهم المستقبلية، وكيف يمكن أن يساعدهم التعليم على تحقيق هذه الطموحات، حتى نولد الرغبة العميقة بالتعلم لدى الأبناء، ومن المهم أيضاً مساعدة الأبناء على التخطيط للمستقبل، ووضع أهدافهم الحياتية، مع توضيح كيف يمكن للمدرسة أن تساعد على تحقيق هذه الأهداف؛ لأن وظيفة المدرسة لا تقتصر على إكساب المعارف، ولكنها تشمل تعزيز القدرات التواصلية واكتساب الحس الاجتماعي، والإعداد لسوق العمل، والمشاركة في الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية، وغير ذلك.
إعداد الأبناء نفسياً للعودة إلى المدرسة يستلزم مساعدة الأبناء على الخروج من دائرة الراحة، والعودة التدريجية لتنظيم الوقت، ومن المهم هنا التخلص من العادات السيئة التي تم اكتسابها في العطلة الصيفية، ومن عادات السهر، ومساعدة الأبناء على النوم في وقت مبكر، والاستيقاظ في وقت مبكر لممارسة الرياضة وبعض الأنشطة الحياتية؛ لأن مشكلة التعود على السهر في العطلة الصيفية، واستثقال النهوض في وقت مبكر، من أهم الإشكاليات التي تواجه الكثير من الأبناء في بداية العام الدراسي، ومن أهم أسباب نفور البعض من العام الدراسي، ويستلزم هذا الإعداد للتعامل بحكمة مع عادات السهر؛ كمشاهدة القنوات واستخدام الألعاب الإلكترونية أو مواقع التواصل، واستبدالها بعادات إيجابية في النهار، أو على الأقل تحويل هذه العادات الليلية إلى عادات نهارية.
وفي هذه المرحلة يفترض أن تبدأ الأسرة بمساعدة الأبناء على الالتزام ببعض الواجبات الروتينية، والتحرر من حالة الفوضى التي ترافق في الغالب فترة العطلة الصيفية، ومن العادات المقترحة التي تساعد في التهيئة النفسية للعودة إلى المدرسة محاولة العودة التدريجية إلى أجواء القراءة، ولو بقراءة قصة مشوّقة قبل دخول العام الدراسي.
ومن وسائل التهيئة النفسية التسوق مع الأبناء لغرض شراء الأدوات المدرسية؛ لأن مجرد شراء الأدوات وجلبها إلى المنزل يشعر الأبناء باقتراب العام الدراسي وأهمية الاستعداد له. في الختام نود التنبيه إلى أن الحديث عن التهيئة النفسية للأطفال للعودة إلى المدرسة لا يكتمل إذا لم نتطرق إلى أهمية مراعاة الفروق العمرية والفروق الفردية، وإعطاء اهتمام خاص بإعداد الطفل الذي سيذهب للمدرسة لأول مرة، وأهمية تعويد الأبناء على الاختلاط بالأصدقاء قبل بداية العام الدراسي، وتعزيز الاستقلالية لديهم، وتربيتهم على كيفية الاعتماد على أنفسهم، وكيفية التصرف عند الشعور بالحاجة إلى دورة المياه، أو الحاجة إلى الطعام أو الشراب وغير ذلك.
ومن الأخطاء الشائعة في الأساليب الوالدية لتهيئة الأبناء للمدرسة المبالغة في تحذير الأبناء من المتنمرين في المدرسة، مع أهمية التربية على التعامل مع التنمر بحكمة، وتشجيع الأبناء على الحديث مع الوالدين في حالة حدوث أي مشكلة.
ومن الأخطاء التي وقع فيها الكثير من الأسرة في بداية العام الدراسي الماضي خطأ المبالغة في تحذير الأبناء من فيروس كورونا، والمبالغة في الحديث عن الإجراءات الاحترازية، ومن المفترض الاستفادة من هذا الدرس في هذا العام بالحرص على التوعية بطريقة هادئة لا تؤثر على شعور الأبناء بالأمن النفسي، وتساعدهم على تطبيق الاحترازات بصورة تلقائية. وثمة إجراءات خاصة بالتهيئة النفسية في الأيام الأولى من العام الدراسي سنتحدث عنها في مقال مستقل.