مع غلبة الطابع المادي للحياة العصرية والتنافس المحموم على المصالح تتراجع قيم الإيثار في المجتمع وتسود ثقافة الأثرة، وفي هذا الواقع تأتي أهمية التربية السلمية على الإيثار والتضحية دون التفريط بحقوق النفس والطموح الشخصي.
لأن من أسباب تراجع ثقافة الإيثار أحياناً ظهور نزعة مثالية للإيثار مبالغ فيها بصورة كبيرة تتناقض مع طبيعة الإنسان وما ركب الله فيه من غرائز حب النفس وهذه الغرائز ليست كلها سلبية ولكنها تتحول إلى غرائز سلبية إذا كانت على حساب حب الله ورسوله والولاء لقضايا الإسلام والمسلمين، وإذا تحولت إلى نوع من الشح المريض الذي يمنع الإنسان من الإنفاق في سبيل الله والسعي من أجل حاجات المحتاجين.
والدراسات العلمية تؤكد أن الإنسان مفطور على الغريزتين معاً فكما أنه مفطور على حب نفسه فهو مفطور ايضاً على الإيثار وتوصلت دراسة أجراها فريق باحثون من معهد التعلُّم وعلوم المخ بجامعة واشنطن إلى أن الإيثار يبدأ مبكرًا في مرحلة الطفولة المبكرة، وأن الأطفال قد يقدمون وجبة خفيفة لذيذة لشخص غريب يحتاج إليها بالرغم من أنهم جائعون.
وتؤكد الدراسات العلمية أن من يتصفون بالإيثار أكثر سعادة وشعورا بالرضا عن حياتهم، وتشير دراسات إحصائية أن معظم مشاكل العالم الاقتصادية يمكن أن تختفي إذا سادت ثقافة الإيثار وتراجعت ثقافة الأثرة حيث تشير دراسة إحصائية إلى أنه إذا أعطى 10% من أغنياء العالم 10% من دخلهم (ما يعادل 4 تريليونات دولار في السنة) لفقراء العالم، فإن هذا يعني القضاء التام على الفقر في كوكبنا لمدة عقدين من الزمان، وفقاً لباحثين في بجامعة كامبريدج.
وجميع هذه الدراسات تؤكد أهمية إعادة الاعتبار لثقافة الإيثار ، وأن هذه الثقافة هي سبيل سعادة لفرد وسبيل معالجة مشاكل البشرية.
ولذلك لا نتعجب حين يضع الإسلام بوصلة الإنسانية مركزة على أخلاق معينة كالإيثار، لذلك يقول رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- قال: 'لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه'، وقد امتدح القرآن الكريم أيضًا خلق الإيثار فقال تعالى: 'وَالَّذِينَ تَبَوَّؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ'.
فالإسلام جاء للارتقاء بحياة البشر إلى خيري في الدنيا و الآخرة.