تتشكل مشاعر الطفل وانفعالاته في محيطه الأسري من خلال أنماط السلوكيات التي يتربى عليها، والتي يعكسها بدوره من خلال التعامل مع إخوانه وأصدقائه وسيعكسها بالمستقبل في تربية أبنائه، فالتربية الأسرية هي التي تحقق للطفل معظم حاجاته النفسية التي تساعد على توازنه وتمتعه بالصحة النفسية والحياة السوية، ومن أهم هذه الحاجات الحاجة إلى الأمن النفسي، والحاجة إلى الانتماء، والحاجة إلى الحب، والحاجة إلى القبول والاهتمام والاحترام والتقدير.
والأسرة السعيدة التي تتمكن من إشباع هذه الحاجات النفسية للأطفال، تنجح في تحقيق التوازن النفسي والانفعالي للأطفال، وفي مقابل ذلك فإن الأسرة المضطربة التي يغيب فيها الاستقرار العائلي وتتوتر فيها العلاقات بين الوالدين، ويمارس فيها الوالدان أو أحدهما العنف الجسدي أو اللفظي على الأبناء لأتفه الأسباب؛ مثل هذه الأسرة يفتقد فيها الأبناء الشعور بالأمن النفسي والحب والقبول والانتماء والاحترام والتقدير ولا يحصل الأبناء على تربية سليمة تساعدهم على التوازن النفسي والانفعالي.
رغم أهمية الاستقرار النفسي للأسرة في تحقيق التوازن الانفعالي للأبناء، فإن ذلك ليس كافياً إذا كان الوالدان لا يدركان أبجديات التربية النفسية والاحتياجات النفسية للأبناء في المراحل العمرية المختلفة ولا يخصصان بعض الوقت للجلوس مع الأبناء والتأمل في سلوكياتهم وفي كيفية تواصلهم مع بعضهم ومع أصدقائهم للحصول على تقييم جيد للنضج النفسي والانفعالي وتقديم التغذية الراجعة والتقويم البنائي المستمر، فضلاً عن أهمية الحرص على التعرف على التأثيرات الثقافية وتأثيرات وسائل الإعلام والألعاب ومواقع التواصل والمستوى الثقافي والأخلاقي لجماعات الأصدقاء والتأثيرات التي يتعرض لها الطفل في بيئة المدرسة أو في بيئة العائلة الكبيرة أو بيئة المسجد أو نتاج قراءته الخاصة وتأثير ايقاعات الحياة العصرية المتسارعة.
ومن هنا تأتي أهمية تثقيف الوالدين لنفسيهما حول التربية النفسية والانفعالية للأبناء، والتعرف على ماهيتها وأهدافها ووسائلها، وكيفية التوازن بين التربية القائمة على الحزم والتربية القائمة على العطف؛ حتى لا يتحول الحزم إلى قسوة غير مبررة أو يتحول العطف إلى تدليل يؤثر بصورة سلبية.
نجاح الأسرة في تحقيق الاستقرار النفسي عند الأبناء يستلزم تضافر استقرار الأسرة مع ثقافة الأبوين التربوية مع إرادة التربية، فقد تتوافر الثقافة في انشغال الأبوين وتركهما الحبل على الغارب، وتستلزم أيضاً تواصل الأسرة مع المدرسة لمتابعة النماء النفسي للطفل وعدم الاكتفاء بمتابعة التحصيل العلمي، ومساعدة الطفل على استكشاف مواهبه وقدراته من خلال الألعاب المختلفة، وتشجيعه على المشاركة الاجتماعية والمشاركة في المدرسة في الأنشطة الحرة، وتشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره وعدم الخوف من إبلاغ والديه إذا تعرض للتنمر أو التحرش، كما يستلزم التعرف على التغيرات التي تطرأ على الأبناء في فترة البلوغ والحوار التربوي مع الأبناء حول هذه التغيرات من خلال تربية جنسية سليمة تشمل التكاليف الدينية في مرحلة البلوغ وأحكام الطهارة وغيرها.
وتستلزم التربية النفسية السليمة تربية الطفل وفقاً لمبدأ الثواب والعقاب، والتربية على الاستقلالية والمبادرة وتحمُّل المسؤولية، والقدرة على اتخاذ القرار السليم مع تجنب الأنماط التربوية التسلطية وأنماط الحماية الزائدة وتجنب تربية الآباء الهليكوبتريين، التي سبق أن تطرقنا إليها في مقال سابق.