إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

رمضانيون عن رمضانهم ساهون .. العبادة بين الاعتياد والاحتساب
حين فرض الله علينا الصيام في الشهر الذي أنزل فيه القرآن أخبرنا في كتابه العزيز عن غايتين متلازمتين في رمضان: الأولى هي تنمية التقوى 'يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون' البقرة- 183 – والثانية الانتفاع بهدايات وبينات القرآن الكريم بالقراءة المتدبرة الناتجة عن تلاوة القرآن حق تلاوته 'شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان'- البقرة: 185-

وإذا لم يسافر بنا قطار الصيام إلى آفاق التقوى ولم تبحر بنا سفينة التلاوة إلى شاطئ الاهتداء فعلينا أن نبحث عن الخلل في طريقة تعاملنا مع الصيام والتلاوة فثمة آفات تتلبس بممارسة بعض العبادات تؤدي إلى إفراغ العبادات من مضمونها التعبدي ومقاصدها التربوية ومن هذه الآفات توارث العبادات من المحيط الاجتماعي والثقافي والممارسة الاعتيادية لها والتي يغيب فيها الخشوع و استشعار المقاصد والحرص على إحسان أداء العبادة بإخلاص وحرص على تحقيق أهدافها الروحية والاجتماعية. وقد لخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفارق الكبير بين أداء العبادات بنية التعبد وبين الأداء الاعتيادي فقال 'رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر' . و مدار الفرق بين العبادة والعادة هو النية والإخلاص فعندما يغيب الإخلاص تتحول ممارسة العبادة إلى نفاق إجتماعي بدافع الرياء مع إغفال نية التعبد وغياب الآثار التربوية وفي هذا السياق جاء قوله تعالى 'فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ' وكما يوجد مصلون يؤدون الصلاة اعتياداً ورياءً وهم ساهون عن حقيقتها التي لا تجتمع مع منع العون عن المحتاجين' ويمنعون الماعون' يوجد صائمون ساهون عن أهداف صومهم ' لعلهم يتقون' ويوجد قارئون للكتاب ساهون عن تلاوته حق تلاوته.

والسؤال الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا هل نصوم رمضان اعتيادا ورياءً أو إيماناً واحتساباً ؟ فقد بشر نبينا الكريم من قام رمضان إيماناً واحتساباً بالمغفرة لما تقدم من ذنبه'من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه' وفي الحديث تأكيد على الفارق الكبير بين الممارسة الاعتيادية للعبادة والتي تذهب هباءً منثورا والممارسة الاحتسابية التي يترتب عليها الأجر الكبير وواجب الدعاة والتربويين إعداد برامج التزكية والتأهيل الإيمانية لتفعيل قصدية الاحتساب عند جمهور المسلمين وكلما توسعت دائرة المؤمنين المحتسبين لعبادتهم وضاقت دائرة الاعتياديين والمرائين تتجلى ثمار هذا الاحتساب في التقوى العامة في المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاق المعاملاتية.

وخلاصة القول إن ثورة رمضان التغييرية تحتاج إلى روح ثورية تتوهج فيها عاطفة نية التعبد لله وتذكيها شعلة الإخلاص والحرص على الفوز برضوان الله ورحمته وجنة عرضها السموات والأرض. وجميع ما سبق لا يعني التقليل من أهمية الاعتياد على الطاعات المصحوب بنية الايمان والاحتساب فذلك خير على خير ولكن الفارق كبير جدا بين اعتياد الطاعات الناتج عن الاحتساب والإيمان والمجاهدة وبين الاعتياد الناتج عن قوة العادات والاعتبارات الاجتماعية.