إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

حاجتنا إلى التربية الدرامية للأطفال
يتفق التربويون على أن للدراما الأجنبية تأثيراً كبيراً على أخلاق وعقليات المراهقين، ودوراً خطيراً في توجيه سلوكياتهم واهتماماتهم بطريقة غير مباشرة؛ من خلال تمثلاتهم للقيم والتفضيلات التي تتناقض في الغالب مع قيم وأخلاقيات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولا سيما مع عرضها بأساليب مشوقة ومغرية تؤدي إلى إشباع حاجات المراهقين والتسلية، وقضاء وقت الفراغ وإشباع الفراغ العاطفي، والتخلص من الملل والرتابة، وإشباع غريزة حب الاستطلاع والتمرد، والرغبة في التعرف على أنماط حياتية جديدة للهروب من الواقع، دون امتلاكهم للمعرفة الصحيحة بالمخاطر والأضرار الناجمة عن التعرض لهذه الدراما، وعدم تشبعهم بالقيم الإيمانية والأخلاقية والقيم الثقافية والفكرية الحضارية الأصيلة، وضعف قدراتهم على التفكير الناقد.
في ظل التحولات الرقمية التي يعيشها عالمنا اليوم تؤكد الدراسات أن تعرض الأطفال والمراهقين في مجتمعاتنا العربية للأفلام والمسلسلات الأجنبية يتصاعد باستمرار، فقد أكدت دراسة علمية ارتفاع نسبة مشاهدة الشباب العربي للدراما بوجه عام بنسبة 100%، وتصدرت قناة MBC4 القنوات الفضائية، التي يفضل الشباب العربي- وفق عينة الدراسة- متابعة الدراما الأجنبية من خلالها بنسبة 59.3%. وجاءت قناة MBC2 في الترتيب الثاني بنسبة 45.3%.
وأشار 50% من عينة الدراسة إلى أن المسلسلات الأجنبية واقعية إلى حد ما، وقال 22.7% إنها واقعية، وأكدت دراسة مصرية أخرى أن 75.2% من المراهقين يعتقدون بتشابه الدراما الأجنبية مع الحياة الواقعية إلى حد ما، ونسبة 19.3% منهم لا يعتقدون بتشابه الدراما الأجنبية مع الحياة الواقعية. تكشف الدراسات العلمية التي تؤكد تصاعد تأثير الدراما في المراهقين والشباب أن نسبة كبيرة من الجيل الجديد يعتقدون بواقعية الدراما الأجنبية، رغم ما يعرفه الجميع من مضامين هذه المسلسلات، وهذه النسبة تعد مؤشراً خطيراً، ولا سيما مع ترويج معظم المسلسلات الأجنبية لانحرافات قيمية، ومحاولة تطبيع الوعي معها.
ففي بعض المسلسلات التي تقدمها نت فليكس على سبيل المثال يكون الأبطال من المنحرفين أخلاقياً، وتشيع فيها المشاهد المخلة، ومشاهد تعاطي المخدرات وشرب الخمور والتدخين، ومشاهد العنف والقمار، وغير ذلك من السلوكيات الشائنة. إذا كان تركيز بعض التربويين والمؤسسات التربوية في السابق على التحكم الأسري في التعرض لشاشات التلفزيون، والدعوة إلى المراقبة العائلية، فإن تطور الوسائط الرقمية، وتعدد الشاشات الصغيرة، واللوحات الذكية تجعل هذا الخيار في حماية الأطفال من أضرار الدراما الأجنبية خياراً محدود التأثير.
ومن هنا تأتي أهمية التربية الدرامية التي تناقش الأضرار السلبية للتعرض لمشاهد الانحرافات، ورفع مستوى وعي الآباء بتأثير الدراما الأجنبية في أبنائهم في مراحلهم العمرية المختلفة، وكيفية تدخلهم الفاعل للحوار مع الأبناء لتعميق فهمهم للرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تتضمنها الدراما الأجنبية، والقدرة على التمييز بين المسلسلات النافعة والضارة، وتنمية الرقيب الداخلي والتفكير الناقد لدى الأبناء.