إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

تواصل الآباء مع الأبناء في عصر ثورة التواصل
تواصلاً مع مقال الأمس ' هل نجيد الإصغاء إلى أبنائنا؟' وبناء على بعض الاستفسارات الخاصة التي وصلتني حول إشكالية احتمال التأثير السلبي لزيادة المساحة المتاحة للأبناء في الحديث والتي قد تتجاوز بعض الخطوط، والحقيقة أنني أتفهم هذه  التخوفات من تأثيرات العالم الإلكتروني المفتوح، ولكنكم المهم أن ندرك أن زيادة مساحة التواصل والاستماع للأبناء تساعد الآباء على التعرف على طريقة تفكير أبنائهم وكيفية تفاعلهم مع الواقع و معرفة الإشكاليات الفكرية التي تواجههم ومناقشتها ومعالجتها. لأن عدم تشجيع الأبناء على الحديث لا يتيح للأبناء التعرف على ما يدور في أذهان الصغار وما يعتمل فيها من شبهات قد تتسلل إلى عقولهم في عصر الفضاء المفتوح وفي عالم الشاشات والنت والثورة الرقمية وفي عالم تواصلي يموج برسائل فكرية وإعلامية وثقافية مختلفة وتحتوي على مضامين بعضها أو معظمها يتعارض مع قيمنا وثقافتنا وعقيدتنا وأخلاقنا، فهل الحل في تكميم الأفواه والاكتفاء بتوجيه الأوامر وتضييق مساحة النقاش؟ أم أن هذه الثورة التواصلية تفرض المزيد من التواصل الإيجابي بين الآباء والأبناء وترسيخ ثقة الأبناء بالآباء حتى يتعود الأبناء العودة إلى آبائهم وطرح الأسئلة عليهم حول كل ما يثير انتباههم؟ مما لا شك فيه أن هذه الثورة التواصلية تستلزم ثورة تربوية في تعزيز التواصل الأسري وترسيخ ثقافة الحرص على الاستماع إلى الأبناء وتدعيم الثقة  وبناء المودة الحميمة وتنمية كفاءات التواصل الإيجابي عند الوالدين والتعرف على كيفية تنمية هذه الكفاءات لدى الأبناء. ومما تجدر الاشارة إليه أن الأبناء لا يجدون في المدرسة الفرصة الكاملة للحديث عما يدور في رؤوسهم مع معلميهم، نظراً لكثافة المواد الدراسية، ولكنهم يجدون متسعاً كبيراً من الوقت في المنزل لطرح الأسئلة على والديهم، وهم بحاجة ماسة إلى من يستمع إليهم ويتفاعل مع أسئلتهم ويتواصل معهم ويعمل على تحصينهم فكرياً وثقافياً.  ونخلص مما سبق أنه في عصر ثورة التواصل يحتاج الآباء إلى توسيع صدورهم للاستماع والتواصل مع أبنائهم حتى يكون الأب أو الأم الملاذ الآمن الذي يلوذ إليه الابن حين تتخبطه بعض الشبهات وتستبد به الحيرة ولا يصح نهر الابن وتعنيفه ومنعه من طرح أي تساؤلات مهما كانت طبيعتها، فالأصل أن يمتلك الوالدان الإجابة عن معظم الأسئلة وأن يمتلكان اللباقة في الرد حين يجدان أن السؤال فوق المستوى العمري للابن أو عندما يجهلان الإجابة.