إعلامي إماراتي .. مستشار في علم النفس التربوي

تأملات إيمانية في سورة البقرة 5
استكمالاُ للوقفات التربوية في سورة البقرة نتوقف هذا الأسبوع مع الآيات من 29 إلى 39'
بعد أن تناولت الآيات الكريمة في بداية سورة البقرة سمات المتقين وسمات غير المتقين باختلاف أصنافهم من مشركين ومنافقين وأهل الضلال عادت لتأكيد مبدأ الخلق وقصة بداية الخلق'هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ'29
كما قررت الآية السابقة أن الله هو خالق الكون فهو الذي قرر أن يترك للإنسان حرية التصرف في الأرض ليتحمل مسؤولية الاستخلاف في العمران للأرض بشقيه المادي والروحي'وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ' 30
كانت الملائكة تتوجس من هذا المخلوق البشري الذي منحه الله الحرية وما سيترتب على هذه الحرية من حروب وفساد ولكنها تدرك الحكمة الإلهية من وراء إطلاق هذه الحرية' قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ'
كشف الله لملائكته أنه أودع في هذا الكائن البشري قدرات عقلية ومعرفية معقدة ليستفيد من قوانين التسخير تبدأ بالقدرة على وسم الأشياء المادية والمعنوية بأسماء ورموز وشفرات تساعد على التوصل وتعمل على تنمية المعرفة.'وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ '31
ويصل التكريم للإنسان إلى الذروة بعد التكريم بالعقل والحرية والاستخلاف في الأرض يأتي الأمر للملائكة بالسجود لهذا المخلوق المكرم عند اهّه 'وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ '
وتبدأ مع هذا التكريم رحلة الصراع مع الشر والحقد والحسد مجسداً في إبليس الذي منعه الاستكبار عن الاعتراف بفضل آدم وأخذته العزة بالإثم' فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ'
كما منح الله الإنسان حرية التصرف وأمانة التكليف منح إبليس حرية الإغواء لتكتمل بذلك ظروف الابتلاء والاختبار
'وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ'
و أنعم الله على الإنسان بفتح باب التوبة كلما وقع في الخطأ و اتبع خطوات الشيطان ليصحح المسار ويعود إلى الصواب إن كان فيه بقية من خير 'فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ'
وهكذا شاءت إرادة الله أن يدفعنا جميعاً إلى مضمار السباق وميدان المنافسة وأرسل لنا الأنبياء لهدايتنا إلى سواء الصراط
'قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 38 وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ39'